الصرمين..الهدوء المعتق بالتسابيح
كان اتجاهي هذه المرة وأنا أخرج من البيت وبعض الاصدقاء ننفذ بجلود من زمهرير الصيف إلى مكان خارج المدينة هذا غالباً ما يكون إلى صبر أو الضباب لكن كان للأخ هشام رأي أن يكون اتجاهنا إلى مكان جديد ضمن ضواحي مدينة تعز نهرب إليه طلباً للهدوء والطبيعة والهواء النقي نتأمل فيه ونستمع إلى نبضات قلوبنا بعد أن نكون قد انسجمنا مع المكان وقد استنفدنا كل مخزوننا من الثرثرة والرغي في السياسة و«سمّاءات انفلونزا الخنازير» وتكون بعدهاالساعة السليمانية قد دخلت حيز التنفيذ.. مع المبادرة والخوف من المقلب وتماشياً مع احترام صاحب المبادرة الذي ليس له ومبادرته أي دخل في السياسة أو اصلاح الجامعة العربية وإنما مبادرة تقريب الآراء بيننا واقتراح مكان اختاره قال: أنه اكتشاف سياحي طبيعي لا يقل عن اكتشاف كولمبوس ويكرر «ومالكمش دخل» وكان اتجاهنا صوب «صالة» وكنت أسأل بعد أن أذعنا لمبادرته ونحن في الاتجاه إلى ما بعد صالة أن يكون هدفنا الذي رسمه هذا المكتشف اليمني الصغير هو في النهاية مقلب وينتهي استعدادنا النفسي إلى مكان عادي بعد أن نكون قد قطعنا الكثير من المسافة ونصبح في الأخير أمام الكاميرا الخفية التي تكون مجبراً في نهاية «صادوه» أن تضحك على خيبتك. لكن احتراماً للمبادرة حتى لو جاءت من هشام...وكان عليه ما سيلاقيه من عين حمراء ان كانت المبادرة وبالاختيار للمكان غير مدهش. قصر صالة...وضرورة التأهيل والترميم بدخولنا حي صالة الذي هو البداية وآخر امتداد المدينة من الجهة الجنوبية الشرقية كان عليّ أن أوقف السيارة فأنا بجوار قصر صالة التاريخي الذي كتب عليه «متحف صالة» والذي كان يعد احد قصور الإمام أحمد ومقراً له وإلى ماقبل عشر سنوات أو أكثر كان فيه مكان للأسود في هذا القصر نقلت فيما بعد إلى حديقة الحيوانات الجديدة في الحوبان. لقد أصبح هذا القصر من شكله الخارجي متهالكاً مكسر النوافذ بعد اجزاء السور آلت إلى السقوط فأنت «أمام خرابة» فالمتحف يحتاج إلى ترميم وتأهيل فهو عرضة سنة بعد الأخرى إلى تهدم بعض اجزائه ان لم يتدارك الأمر من قبل قيادة المحافظة ووزارة السياحة والجهات ذات الاختصاص الأخرى من أجل ترميمه وإعادة تأهيله باعتباره ذاكرة لجزء مهم من تاريخ اليمن السياسي. ولا أدري ماسر هذا الذي نراه لمتاحفنا وآثارنا في تعز لا يتم تداركها وترميمها إلا بعد وقت وإن رممت لاترمم بالطريقة الصحيحة التي تحافظ على نكهتها التاريخية. هذا ما رأيت عليه قصر صالة. الذي كتب على بوابته «متحف صالة» على استحياء بلوحة لاتتجاوز المتر الواحد ولأن الوقت كان عصر الجمعة فأني لم أتمكن من الاطلاع عليه من الداخل ان كان هناك في الداخل شيء. لقد كان وضع متحف صالة هو الصراع الذي لازمنا من هناك حتى رجوعنا. محمية جبلية معلقة ما أن تتجاوز صالة تدخل طريقاً ترابياً تحاصره البيوت والصخور وتنتقل ببضع أمتار من المدينة إلى القرية وتبدأ تلامس الحياة القروية بكل مظاهرها...يأخذك الاسفلت بعدها صوب الداخل محاذياً لجبل صبر من الجنوب الشرقي وهذا الجزء من جبل صبر يعد خالياً من السكان لا زرع فيه وتلاحظ بين فواصل الجبل كثافة أشجار أشبه بمحمية أوغابة جبلية تحتفظ بكامل صورتها البيئية منظر الجبل من هذه الناحية واستقامات جبلية منفردة الوضعية تشبه عسكرياً في حالة استعداد... شدنا وتوقفنا عند هذا الشموخ كثيراً. أبعر ضخامة السيل أعتقد أن ما يأتي مدينة تعز من سيول جراء الأمطار من صبر من ناحية القاهرة والاتجاه الغربي لا يساوي شيئاً أمام ما يأتيها من هذا الاتجاه لما رأيت من ممرات مائية للسيول تلاحظ ذلك من خلال ضخامة تلك الممرات وعلامات ما تتركه السيول على ضخامة ارتفاعها على محاذاة هذا المجرى وهذا ستجده في قرية «أبعر» وعلى طول هذا الممر ينقطع الاسلفت لأنه يحتاج إلى كُبرى ضخمة. قريباً من المدينة بعيداً عن الضجيج نحن بعد هذه المسافة التي تجاوزت 4كيلو مترات أمام قرى متناثرة أمام طبيعة ريفية جميلة لاتعتقد عندها أنك غادرت المدينة قبل عشر دقائق فأنت في أبعر وتبدأ تدريجياً تختفي عن جبل صبر في الالتواءات الزراعية وعند قرية «الصرمين» تكون قد اختفيت تماماً عن عيون صبر وأصبحت في وسط جوي لا يوصف ومكان رائع. الطريق إلى العند تساءلت: إلى أين يوصلنا هذا الطريق الجبلي فأجاب أحد المواطنين إلى العند ويقول :أن هذا الطريق كان قد شقه الإمام أحمد باعتباره قريباً من صالة إلى المناطق التي تقع في الاتجاه الجنوبي لكن السفلتة والتوسعة هي منذ سنوات حين اعتلينا القمة. بدأت تهدأ نفسي وأنا في الصرمين وسط ذلك البهاء والهواء العليل ولأن الكثير لا يعرف عن هذا المكان شيئاً وهو يقع ضمن ضواحي المدينة ومتنفساتها..لذلك لاتجد إلا القليل من يختار وجهته للراحة والاستمتاع بالطبيعة «الصرمين». احترنا ونحن على الطريق الاسفلتي في الصرمين في اختيار مكان نجلس فيه للمقيل فكل الأماكن جميلة فرأينا جماعة تفترش وتجلس في أحد المنعطفات من بعيد فكنا معهم ولاندري أن هذا المنعطف يشرف على وادٍ زراعي كبير إلا بعد أن وصلنا فكان المنظر الطبيعي مدهشاً جداً. فأنت تشرف على واد كبير تتوسطه جزيرة من البيوت تتزاحم وتتلاصق في بعضها البعض بعدد يقارب العشرين بيتاً اسمها «تبيشعة» وتبدو في معظمها بيوت قديمة لكن من يفسر تلك الحكمة الهندسية القديمة في تقارب بناء البيوت بذلك الشكل الذي نراه في تبيشعة وفي أكثر القرى الريفية وخاصة التي تكون في الوديان.. فالأبواب متعددة والسطح واحد. تبيشعة توثيق لحياة الريف حقيقة كان ذلك المكان رائعاً فأنت تشاهد فيلماً وثائقياً حياً عن الحياة الريفية اليمنية... نساء يحتطبن في الجبل وأخريات يرعين الأغنام بملابسهن التقليدية رجال في الحقول الزراعية...أصوات مضخات مياه الآبار. الحقول الزراعية الخضراء تأسر ناظرك وأنت في ذلك الارتفاع. تشدك حركة الناس في أسفل الوادي منظر بيوت تبيشعة المتوسطة تاج الاخضرار في حي وأنت هناك في ذلك المنعطف في الصرمين إذا وليت بناظرك عكس اتجاه تبيشعة في الوادي إلى الجبل ترى البيوت التي تعانق الضباب تسأل أحدهم كيف يتم توصيل الاشياء الثقيلة مما يحتاجون إلى هناك بل كيف يصلون هم إلى هناك.. أجانب في ضيافة الصرمين أثناء جلوسنا هناك لاحظت سيارات تحمل سياحاً أجانب في جولة سياحية فالمكان يستدعي الزيارة للاستمتاع بكل ذلك الجمال الطبيعي وبكل ذلك الظلال الشاعري. الخطأ الكبير...في منعطف الموت لاحظت وعلى رغم ذلك الارتفاع أن المنعطف الاسفلتي الخطير في الصرمين لا تسبقه إشارات تنبيه وليس له حماية حديدية كانت أو خرسانية ولا حتى جداراً من الاسفل من انجراف الاسفلت أثناء الأمطار. فكيف تم تجاوز هذا الخطأ الكبير في منعطف يشرف على وادٍ سحيق إذا لم يتم تداركه من قبل الجهات المختصة سيؤدي لاسمح الله إلى كارثة إن لم يتم عمل حماية حفاظاً على أرواح الناس. اكتشاف سياحي أثناء جلوسنا في الصرمين لاحظنا سيارات تحمل سياحاً أجانب تأخذ جولة سياحية هناك فالمكان حقيقة يستدعي الزيارة والاستمتاع بالطبيعة الريفية والخلابة والبيوت المعلقة في قمم الجبال والبيوت الثابتة في أعماق الوديان. والأجمل هو الاستمتاع بحركة الناس التي لا يصاحبها الضجيج. انه اكتشاف سياحي جميل بالنسبة لنا نسجله باسم هشام فإذا كنت في الضباب تستمتع بموسيقا الماء والاخضرار فأنت في الصرمين تستمتع بالطبيعة الريفية القروية التي لم تلوثها المدنية تستمتع بالجو الجميل وبالهدوء المعتق بالتسابيح. بني جُرين .. ابتسامة صعفان المنسية جبل شامخ يصافح الشمس كل يوم ، على كتفه تتناثر حضارة صنعها انسان الماضي والحاضر ، جبل ما إن تطأه بقدمك تشعر وكأن الماضي قد خرج منه للتو ، تشتم رائحته المتصاعده من ابجديات تضاريسية ، لكنك حتماً لاتجده ، ثمة جدل واسع هناك بين الانسان وبين الطبيعة تنتهي دوماً لصالح الانسان من خلال فلسفة الاصرار على قهركل الظروف المشاكسة التي تفرضها قوى الطبيعة في هذه الرحلة الابدية ، في بني جرين تنبثق الطبيعة على الجسد الجغرافي كما تنبثق المياه من جوف بركاني فيسمو الجمال الانساني العنوان الابدي والمتألق لهذا الماكن الرائع . استطلاع: ماجد احمد التميمي بني جرين بضم الجيم وفتح الراء واحدة من العزل التابعة لمديرية صعفان في محافظة صنعاء ، تجدها غرب المديرية هناك حيث تنبسط حتى تلامس السهل التهامي التابع لمحافظة الحديدة ، تنقسم العزله الى قسمين جزء علوي ويتمثل في الحصن حيث تنبثق سحنة انسان صعفان بتجلياته الوضاءه ذات الملامح الصنعانية تقرأ تلك الاطلاله من خلال ذلك الشكل المغمور بازرقاق العيون واللهجة المحشورة بمفردات صنعانية واضحة الملامح ، لكنك اذا انحدرت الى الاسفل حيث الجزء السفلي من هذه العزلة تجد واقعاً مختلفاً تماماً فالانسان هناك تسمو عليه تجليات انسان تهامة ببساطته وملامحه المائلة الى الاسمرار ولهجته الملئية بمفردات تهامية بحتة ، لكنك حين تعيش تفاصيل هذه العزله تلمس ثقافة مشتركة حتى لو اختلفت الجغرافيا واختلفت معها ملامح الانسان . يمكن للزائر الوصول اليها عبر الطريق الفرعي الممتد من النقطة العسكريه التي تسبق مدينة باجل (على طريق صنعاء ـ الحديدة) حيث يأخذك هذا الطريق الى منطقة عباُل التي تعد مركزاً لهذه العزلة ، وهناك تستطيع ان تتخذ اياً من الطرق الفرعية السهلية والجبلية للتوغل الى قلب هذه العزله. جمال انساني بديع ليس هناك ادنى شك فيما ذهب اليه الكثيرون من ان هذه المديرية بتلك الامتدادات التي تصل حتى تخوم صنعاء تعد موطن الجمال الاول في اليمن ، والجانب العلوي من هذه العزلة هو من تنطبق عليه هذه التوصيفات، ذلك ان الله وهبها سحراً فريداً تشكلت ملامحه بتلك الصبغة الفريدة للجمال الرباني الآسر . كغيري وجدت نفسي تائهاً في غمرات البحث عن جواب لهذا اللغز الالهي لكنني في النهاية اهتديت الى ان الجمال ليس سوى هبة يمنحها الله لمن شاء ، تلك هي صعفان وتلك هي بني جرين وجدناها تضمخ برائحة الجمال ، حيث لم يتسن لنا المقام فيها طويلاً لكننا رأينا ان ذلك كان جميلاً فلقد خشينا ان نجد انفسنا غارقين في متاهة من التفكير المشوب بعاطفة بائسة . حصن الهادئ يعد الحصن بقراه المتناثرة احد الملامح التاريخية في هذه العزلة ، يطل الحصن على بطن تهامة بل ويقترب منها ، وهي دلالة واضحة على العمق التاريخي لهذا الحصن العتيد الذي اختزل بين اروقته المتهالكة وجدرانه المتصدعة تاريخاً من النضال ضد المستعمر ، وذلك ابان الاحتلال العثماني الاول والثاني وما اعقبه من تدخلات عسكرية اجنبية اخرى . وجد الحصن قبل حوالي مئتي عام عندما حط فيه الشيخ الهادئ رحاله ليتسنى له المقام في هذا المكان ذي العلو الشامخ فسمي حصن الهادئ نسبة لهذا الشيخ ، وقد مثل خلال كل هذه السنوات ثكنة عسكرية مهمة حيث عمل المقاومون انذاك على نقل المعركة من السهل الى الجبل ليتسنى لهم ادارة المعارك بشكل حربي دقيق بعيداً عن المغامرات البائسة. كنت على موعد لزيارته وقراءة تفاصيله عن قرب لكن اشتداد ضغوط العمل انذاك منعني من ذلك رغم الالحاح المتزايد من قبل الاستاذ الفاضل عبدالله على مهدي عضو المجلس المحلي ورغبته في ان يأخذ هذا الحصن مكاناً لائقاً في صحيفتنا الغراء الجمهورية ، فقد بدا امامي غارقاً في سرد بعض من التفاصيل التاريخية لهذا الحصن وذلك من وهج ذاكرته المتقدة والمفعمة بحب هذا المكان الذي يعتبره جزءاً من كيان التاريخ اليمني ، كان يدرك ان هذا الحصن يعيش في هامش التاريخ ، ولهذا فقد شعرت بنبرة حزن تتسلل من بين ثناياه وهو يحدثني عن مكانة الحصن التاريخية وتجاهل السلطات المعنية له . الحصن مكان اثري والطريق اليه تبدو لي اثرية ايضاً وربما لهذا السبب وجدناه يعيش حياة هامشية ، وكان يجدر بالجهات المسئولة ان توليه جزءاً من الاهتمام ، فمثل هذه الاماكن كان لها دور مشرف في صياغة التاريخ اليمني القديم . صناعة الحياة يدأب الناس على صناعة واقعهم الاقتصادي بكل اصرار وفي تحد نوعي استطاع هذا المستوطن اعلى الحصن او قاع السهل من استغلال كل الادوات التي منحتها له الطبيعة في استخلاص عيشه بما يعكس حاجته الملحة للاستقرار وتوفير مقومات العيش ولوكان زهيداً . تبرز الزراعة كأحد الانشطه الرئيسية التي يمارسها الاهالي صغاراً وكباراً، حيث تجد الجميع يتقنون فنون وادارة المزروعات حتى مع ادراكهم العميق لمحدودية ما سيحصدون منه خاصة بعد ان شحت الامطار في السنوات الاخيره .تحضر تربية النحل بشكل كبير في هذه العزلة باعتبارها مورداً اقتصادياً هاماً يزيل من على البعض بعضاً من تراكمات الفقر المزعجة ، وهو الى جانب ذلك بات جزءاً من ثقافة هذا المحتمع ، فقد عزز حضوره التواجد اللافت لأشجار السدر وخاصة في التجمع الاسفل من هذه العزلة ، والعسل بمفهومه التقليدي يعد النواة الرئيسية للمائدة الصعفانية حال تواجد ضيف عابر ، حيث يشعر المضيف ساعتها انه قد قدم لضيفه سوار كسرى من جديد وهو شعور لطيف يليق بشهامة وكرم اولئك الافذاذ من ابناء الريف الصعفاني . يأتي الاهتمام بهذا الجانب في ظل الانزلاق الخطير للعملية التعليمية ، حيث لا احدى يعلم الى اين تتجه واي مصيرغامض يكتنفها ، فالتعليم هناك بات شيئاً غريباً حسب تقديري ، وهو ما أثار فيا الدهشة والهلع ، فعندما تهم بزيارة احد المدارس تتفاجأ بمنظرها الخارجي لكن حين تدلف اليها تجد واقعاً مغايراً ، فهلا حدثتكم عن مدرسة ابتدائية عدد المعلمين فيها واحد فقط ، وحيث لم اعد ادري ما سيقدمه هذا المعلم وماهي وظيفته الاساسية اهو معلم ام مدير ام وكيل ام مرب ، وحقيقة الامر فقد ذكرني هذا المشهد بأحد المشاهد الطريفة للنجم الكوميدي عادل امام حيث عرض عليه مدير المدرسة ان يقوم بتدريس تسع مواد في آن واحد فأجاب بعفوية ساخرة “ أأبقى كشكول انا بأء والا ايه “ وعلى اية حال فهناك معاناة حقيقية في هذا الامر جعلت الكثير من ابناء المديرية يهجرون التعليم ويتوجهون نحو زوايا البحث عن مصدر العيش حتى اولئك الذين مازالوا في عمر الزهور . عادات وتقاليد تعتبر العادات والتقاليد الركيزة الاساسية التي من خلالها تبنى ثقافة المجتمعات وخاصة مجتمعاتنا اليمنية التي تعتبر مثل هذه الاشياء بمثابة انجيلم قدس يُحرم تجاوزه ، ولهذه العزلة ثمة طقوس تمارسها اعتماداً على المنهج القبلي الذي يتشرب ادواته جميع افراد المجتمع دون استثناء . ولعمري فقد شدتني تلك التقاليد التي رأيتها تسكن في وجدان ابناء هذه العزله وكأنها الروح التي لا تفارق الجسد الا حين الموت ، ففي هذه العزلة تبدأ مراسيم الزواج حين يوجه العريس دعوة خاصة لأقاربه واصدقائه حيث تلقى عليهم مسئولية ترتيب العرس ، وليس هذا فحسب بل عليهم ان يبادروا الى شراء الكباش وهو واجب محتوم عليهم شاءوا ام ابوا ، يلي ذلك خطوة استقبال الضيوف حيث يتدفق كل ابناء القرية الى بيت العريس والبيوت المجاورة ، تستمر اصداء الضيافة يومين متتاليين ، تتحول خلالها بيت العريس والبيوت المجاورة الى قاعة افراح مشتعلة بالاهازيج والافراح ، وتكون مصحوبة برقصات يتقنها الجميع بما في ذلك الصغار ، وخلال هذه المسرحية العرائيسية يكون والد العروس قد جهز العروسه وارسلها بصحبة عشرين من اهله وجيرانه الى زوجها ، عندها يغادرهم العريس متجهاً نحو عالمه الخاص ، فينصرف الجميع الى شئون حياتهم . اما في الموت فهناك طقوس تعد في نظري نادرة فحين تحدثت الى الاستاذ عبدالله على مهدي بهذا الامر بادرني قائلاً: بأنه اذا كان الميت ينتمي الى اسره تتسم بالغنى وتملك مقومات الحياة الكريمة فإنه يلزم على اهله اقامة الذبائح لمدة ثلاثة ايام يعمد اهالي القرية الى احيائها بالذكر وقراءة القرآن والموالد (جمع مولد)، اما اذا كان الميت من اسرة فقيرة فيكتفي اهالي القرية بإقامة الموالد وتلاوة القرآن ليوم واحد فقط وبدون اي ذبائح . الحمام البركاني لعل من اهم ماتتميز به هذه العزلة عن باقي عزل المديرية هو احتواؤها على حمام طبيعي (بركاني) حيث يسكن عند اقدام جبل الحصن في القاع التهامي تحديداً ، وهو في حقيقته يمثل جوهراً حقيقياً واداة من ادوات تفعيل هذا الجانب المهم من السياحة ، حيث ترى توافداً كبيراً عليه من المناطق المحيطة والمناطق البعيدة بما في ذلك زواره من الاجانب المتوافدين من المملكة العربية السعودية ، وحتى الآن لم يحظ بأي اهتمام من اي نوع سوى اهتمام بسيط اولاه عابر سعودي ارهقه مرض عضال فبهره هذا المثلث البركاني الرائع ولهذا شعر بأنه مدين لهذا المكان في امتصاص مرضه ، فبادر بإحاطته ببناء صغير مزود بغرفة خاصة للنساء تقع بالقرب من العين الحارة . هناك اخفاق واضح سواء من الجهات الرسمية أم المحلية فيما يخص الاهتمام به والمحافظة عليه تمهيداً لتفعيله في خدمة السياحة العلاجية بصورة رسمية بعيداً عن العشوائية التي لاحظناها عند استخدامه . لا انكر انني عشقت المكان حد الادمان رغم انه لايرقى حقيقية إلى مستوى الحاجة التي ينشدها اولئك الذين يطمعون بالشفاء من مياهه الكبريتية الحارة ومع ذلك اعتبر المكان من اكثر الاماكن المشجعة لصياغة وتحقيق هذا النوع من السياحة والمتمثلة بسياحة الاستجمام . رأيت قوافل من الناس رجالاً ونساء جاءوا ينشدون الشفاء بعد ان خذلهم الطب الحديث المليء بالتفاصيل المادية المزعجة ، وهوالامر الذي جعلني شديد الايمان بأهمية السياحة العلاجية كنشاط اقتصادي واعد ان احسنا ادارته .
كان اتجاهي هذه المرة وأنا أخرج من البيت وبعض الاصدقاء ننفذ بجلود من زمهرير الصيف إلى مكان خارج المدينة هذا غالباً ما يكون إلى صبر أو الضباب لكن كان للأخ هشام رأي أن يكون اتجاهنا إلى مكان جديد ضمن ضواحي مدينة تعز نهرب إليه طلباً للهدوء والطبيعة والهواء النقي نتأمل فيه ونستمع إلى نبضات قلوبنا بعد أن نكون قد انسجمنا مع المكان وقد استنفدنا كل مخزوننا من الثرثرة والرغي في السياسة و«سمّاءات انفلونزا الخنازير» وتكون بعدهاالساعة السليمانية قد دخلت حيز التنفيذ.. مع المبادرة والخوف من المقلب وتماشياً مع احترام صاحب المبادرة الذي ليس له ومبادرته أي دخل في السياسة أو اصلاح الجامعة العربية وإنما مبادرة تقريب الآراء بيننا واقتراح مكان اختاره قال: أنه اكتشاف سياحي طبيعي لا يقل عن اكتشاف كولمبوس ويكرر «ومالكمش دخل» وكان اتجاهنا صوب «صالة» وكنت أسأل بعد أن أذعنا لمبادرته ونحن في الاتجاه إلى ما بعد صالة أن يكون هدفنا الذي رسمه هذا المكتشف اليمني الصغير هو في النهاية مقلب وينتهي استعدادنا النفسي إلى مكان عادي بعد أن نكون قد قطعنا الكثير من المسافة ونصبح في الأخير أمام الكاميرا الخفية التي تكون مجبراً في نهاية «صادوه» أن تضحك على خيبتك. لكن احتراماً للمبادرة حتى لو جاءت من هشام...وكان عليه ما سيلاقيه من عين حمراء ان كانت المبادرة وبالاختيار للمكان غير مدهش. قصر صالة...وضرورة التأهيل والترميم بدخولنا حي صالة الذي هو البداية وآخر امتداد المدينة من الجهة الجنوبية الشرقية كان عليّ أن أوقف السيارة فأنا بجوار قصر صالة التاريخي الذي كتب عليه «متحف صالة» والذي كان يعد احد قصور الإمام أحمد ومقراً له وإلى ماقبل عشر سنوات أو أكثر كان فيه مكان للأسود في هذا القصر نقلت فيما بعد إلى حديقة الحيوانات الجديدة في الحوبان. لقد أصبح هذا القصر من شكله الخارجي متهالكاً مكسر النوافذ بعد اجزاء السور آلت إلى السقوط فأنت «أمام خرابة» فالمتحف يحتاج إلى ترميم وتأهيل فهو عرضة سنة بعد الأخرى إلى تهدم بعض اجزائه ان لم يتدارك الأمر من قبل قيادة المحافظة ووزارة السياحة والجهات ذات الاختصاص الأخرى من أجل ترميمه وإعادة تأهيله باعتباره ذاكرة لجزء مهم من تاريخ اليمن السياسي. ولا أدري ماسر هذا الذي نراه لمتاحفنا وآثارنا في تعز لا يتم تداركها وترميمها إلا بعد وقت وإن رممت لاترمم بالطريقة الصحيحة التي تحافظ على نكهتها التاريخية. هذا ما رأيت عليه قصر صالة. الذي كتب على بوابته «متحف صالة» على استحياء بلوحة لاتتجاوز المتر الواحد ولأن الوقت كان عصر الجمعة فأني لم أتمكن من الاطلاع عليه من الداخل ان كان هناك في الداخل شيء. لقد كان وضع متحف صالة هو الصراع الذي لازمنا من هناك حتى رجوعنا. محمية جبلية معلقة ما أن تتجاوز صالة تدخل طريقاً ترابياً تحاصره البيوت والصخور وتنتقل ببضع أمتار من المدينة إلى القرية وتبدأ تلامس الحياة القروية بكل مظاهرها...يأخذك الاسفلت بعدها صوب الداخل محاذياً لجبل صبر من الجنوب الشرقي وهذا الجزء من جبل صبر يعد خالياً من السكان لا زرع فيه وتلاحظ بين فواصل الجبل كثافة أشجار أشبه بمحمية أوغابة جبلية تحتفظ بكامل صورتها البيئية منظر الجبل من هذه الناحية واستقامات جبلية منفردة الوضعية تشبه عسكرياً في حالة استعداد... شدنا وتوقفنا عند هذا الشموخ كثيراً. أبعر ضخامة السيل أعتقد أن ما يأتي مدينة تعز من سيول جراء الأمطار من صبر من ناحية القاهرة والاتجاه الغربي لا يساوي شيئاً أمام ما يأتيها من هذا الاتجاه لما رأيت من ممرات مائية للسيول تلاحظ ذلك من خلال ضخامة تلك الممرات وعلامات ما تتركه السيول على ضخامة ارتفاعها على محاذاة هذا المجرى وهذا ستجده في قرية «أبعر» وعلى طول هذا الممر ينقطع الاسلفت لأنه يحتاج إلى كُبرى ضخمة. قريباً من المدينة بعيداً عن الضجيج نحن بعد هذه المسافة التي تجاوزت 4كيلو مترات أمام قرى متناثرة أمام طبيعة ريفية جميلة لاتعتقد عندها أنك غادرت المدينة قبل عشر دقائق فأنت في أبعر وتبدأ تدريجياً تختفي عن جبل صبر في الالتواءات الزراعية وعند قرية «الصرمين» تكون قد اختفيت تماماً عن عيون صبر وأصبحت في وسط جوي لا يوصف ومكان رائع. الطريق إلى العند تساءلت: إلى أين يوصلنا هذا الطريق الجبلي فأجاب أحد المواطنين إلى العند ويقول :أن هذا الطريق كان قد شقه الإمام أحمد باعتباره قريباً من صالة إلى المناطق التي تقع في الاتجاه الجنوبي لكن السفلتة والتوسعة هي منذ سنوات حين اعتلينا القمة. بدأت تهدأ نفسي وأنا في الصرمين وسط ذلك البهاء والهواء العليل ولأن الكثير لا يعرف عن هذا المكان شيئاً وهو يقع ضمن ضواحي المدينة ومتنفساتها..لذلك لاتجد إلا القليل من يختار وجهته للراحة والاستمتاع بالطبيعة «الصرمين». احترنا ونحن على الطريق الاسفلتي في الصرمين في اختيار مكان نجلس فيه للمقيل فكل الأماكن جميلة فرأينا جماعة تفترش وتجلس في أحد المنعطفات من بعيد فكنا معهم ولاندري أن هذا المنعطف يشرف على وادٍ زراعي كبير إلا بعد أن وصلنا فكان المنظر الطبيعي مدهشاً جداً. فأنت تشرف على واد كبير تتوسطه جزيرة من البيوت تتزاحم وتتلاصق في بعضها البعض بعدد يقارب العشرين بيتاً اسمها «تبيشعة» وتبدو في معظمها بيوت قديمة لكن من يفسر تلك الحكمة الهندسية القديمة في تقارب بناء البيوت بذلك الشكل الذي نراه في تبيشعة وفي أكثر القرى الريفية وخاصة التي تكون في الوديان.. فالأبواب متعددة والسطح واحد. تبيشعة توثيق لحياة الريف حقيقة كان ذلك المكان رائعاً فأنت تشاهد فيلماً وثائقياً حياً عن الحياة الريفية اليمنية... نساء يحتطبن في الجبل وأخريات يرعين الأغنام بملابسهن التقليدية رجال في الحقول الزراعية...أصوات مضخات مياه الآبار. الحقول الزراعية الخضراء تأسر ناظرك وأنت في ذلك الارتفاع. تشدك حركة الناس في أسفل الوادي منظر بيوت تبيشعة المتوسطة تاج الاخضرار في حي وأنت هناك في ذلك المنعطف في الصرمين إذا وليت بناظرك عكس اتجاه تبيشعة في الوادي إلى الجبل ترى البيوت التي تعانق الضباب تسأل أحدهم كيف يتم توصيل الاشياء الثقيلة مما يحتاجون إلى هناك بل كيف يصلون هم إلى هناك.. أجانب في ضيافة الصرمين أثناء جلوسنا هناك لاحظت سيارات تحمل سياحاً أجانب في جولة سياحية فالمكان يستدعي الزيارة للاستمتاع بكل ذلك الجمال الطبيعي وبكل ذلك الظلال الشاعري. الخطأ الكبير...في منعطف الموت لاحظت وعلى رغم ذلك الارتفاع أن المنعطف الاسفلتي الخطير في الصرمين لا تسبقه إشارات تنبيه وليس له حماية حديدية كانت أو خرسانية ولا حتى جداراً من الاسفل من انجراف الاسفلت أثناء الأمطار. فكيف تم تجاوز هذا الخطأ الكبير في منعطف يشرف على وادٍ سحيق إذا لم يتم تداركه من قبل الجهات المختصة سيؤدي لاسمح الله إلى كارثة إن لم يتم عمل حماية حفاظاً على أرواح الناس. اكتشاف سياحي أثناء جلوسنا في الصرمين لاحظنا سيارات تحمل سياحاً أجانب تأخذ جولة سياحية هناك فالمكان حقيقة يستدعي الزيارة والاستمتاع بالطبيعة الريفية والخلابة والبيوت المعلقة في قمم الجبال والبيوت الثابتة في أعماق الوديان. والأجمل هو الاستمتاع بحركة الناس التي لا يصاحبها الضجيج. انه اكتشاف سياحي جميل بالنسبة لنا نسجله باسم هشام فإذا كنت في الضباب تستمتع بموسيقا الماء والاخضرار فأنت في الصرمين تستمتع بالطبيعة الريفية القروية التي لم تلوثها المدنية تستمتع بالجو الجميل وبالهدوء المعتق بالتسابيح. بني جُرين .. ابتسامة صعفان المنسية جبل شامخ يصافح الشمس كل يوم ، على كتفه تتناثر حضارة صنعها انسان الماضي والحاضر ، جبل ما إن تطأه بقدمك تشعر وكأن الماضي قد خرج منه للتو ، تشتم رائحته المتصاعده من ابجديات تضاريسية ، لكنك حتماً لاتجده ، ثمة جدل واسع هناك بين الانسان وبين الطبيعة تنتهي دوماً لصالح الانسان من خلال فلسفة الاصرار على قهركل الظروف المشاكسة التي تفرضها قوى الطبيعة في هذه الرحلة الابدية ، في بني جرين تنبثق الطبيعة على الجسد الجغرافي كما تنبثق المياه من جوف بركاني فيسمو الجمال الانساني العنوان الابدي والمتألق لهذا الماكن الرائع . استطلاع: ماجد احمد التميمي بني جرين بضم الجيم وفتح الراء واحدة من العزل التابعة لمديرية صعفان في محافظة صنعاء ، تجدها غرب المديرية هناك حيث تنبسط حتى تلامس السهل التهامي التابع لمحافظة الحديدة ، تنقسم العزله الى قسمين جزء علوي ويتمثل في الحصن حيث تنبثق سحنة انسان صعفان بتجلياته الوضاءه ذات الملامح الصنعانية تقرأ تلك الاطلاله من خلال ذلك الشكل المغمور بازرقاق العيون واللهجة المحشورة بمفردات صنعانية واضحة الملامح ، لكنك اذا انحدرت الى الاسفل حيث الجزء السفلي من هذه العزلة تجد واقعاً مختلفاً تماماً فالانسان هناك تسمو عليه تجليات انسان تهامة ببساطته وملامحه المائلة الى الاسمرار ولهجته الملئية بمفردات تهامية بحتة ، لكنك حين تعيش تفاصيل هذه العزله تلمس ثقافة مشتركة حتى لو اختلفت الجغرافيا واختلفت معها ملامح الانسان . يمكن للزائر الوصول اليها عبر الطريق الفرعي الممتد من النقطة العسكريه التي تسبق مدينة باجل (على طريق صنعاء ـ الحديدة) حيث يأخذك هذا الطريق الى منطقة عباُل التي تعد مركزاً لهذه العزلة ، وهناك تستطيع ان تتخذ اياً من الطرق الفرعية السهلية والجبلية للتوغل الى قلب هذه العزله. جمال انساني بديع ليس هناك ادنى شك فيما ذهب اليه الكثيرون من ان هذه المديرية بتلك الامتدادات التي تصل حتى تخوم صنعاء تعد موطن الجمال الاول في اليمن ، والجانب العلوي من هذه العزلة هو من تنطبق عليه هذه التوصيفات، ذلك ان الله وهبها سحراً فريداً تشكلت ملامحه بتلك الصبغة الفريدة للجمال الرباني الآسر . كغيري وجدت نفسي تائهاً في غمرات البحث عن جواب لهذا اللغز الالهي لكنني في النهاية اهتديت الى ان الجمال ليس سوى هبة يمنحها الله لمن شاء ، تلك هي صعفان وتلك هي بني جرين وجدناها تضمخ برائحة الجمال ، حيث لم يتسن لنا المقام فيها طويلاً لكننا رأينا ان ذلك كان جميلاً فلقد خشينا ان نجد انفسنا غارقين في متاهة من التفكير المشوب بعاطفة بائسة . حصن الهادئ يعد الحصن بقراه المتناثرة احد الملامح التاريخية في هذه العزلة ، يطل الحصن على بطن تهامة بل ويقترب منها ، وهي دلالة واضحة على العمق التاريخي لهذا الحصن العتيد الذي اختزل بين اروقته المتهالكة وجدرانه المتصدعة تاريخاً من النضال ضد المستعمر ، وذلك ابان الاحتلال العثماني الاول والثاني وما اعقبه من تدخلات عسكرية اجنبية اخرى . وجد الحصن قبل حوالي مئتي عام عندما حط فيه الشيخ الهادئ رحاله ليتسنى له المقام في هذا المكان ذي العلو الشامخ فسمي حصن الهادئ نسبة لهذا الشيخ ، وقد مثل خلال كل هذه السنوات ثكنة عسكرية مهمة حيث عمل المقاومون انذاك على نقل المعركة من السهل الى الجبل ليتسنى لهم ادارة المعارك بشكل حربي دقيق بعيداً عن المغامرات البائسة. كنت على موعد لزيارته وقراءة تفاصيله عن قرب لكن اشتداد ضغوط العمل انذاك منعني من ذلك رغم الالحاح المتزايد من قبل الاستاذ الفاضل عبدالله على مهدي عضو المجلس المحلي ورغبته في ان يأخذ هذا الحصن مكاناً لائقاً في صحيفتنا الغراء الجمهورية ، فقد بدا امامي غارقاً في سرد بعض من التفاصيل التاريخية لهذا الحصن وذلك من وهج ذاكرته المتقدة والمفعمة بحب هذا المكان الذي يعتبره جزءاً من كيان التاريخ اليمني ، كان يدرك ان هذا الحصن يعيش في هامش التاريخ ، ولهذا فقد شعرت بنبرة حزن تتسلل من بين ثناياه وهو يحدثني عن مكانة الحصن التاريخية وتجاهل السلطات المعنية له . الحصن مكان اثري والطريق اليه تبدو لي اثرية ايضاً وربما لهذا السبب وجدناه يعيش حياة هامشية ، وكان يجدر بالجهات المسئولة ان توليه جزءاً من الاهتمام ، فمثل هذه الاماكن كان لها دور مشرف في صياغة التاريخ اليمني القديم . صناعة الحياة يدأب الناس على صناعة واقعهم الاقتصادي بكل اصرار وفي تحد نوعي استطاع هذا المستوطن اعلى الحصن او قاع السهل من استغلال كل الادوات التي منحتها له الطبيعة في استخلاص عيشه بما يعكس حاجته الملحة للاستقرار وتوفير مقومات العيش ولوكان زهيداً . تبرز الزراعة كأحد الانشطه الرئيسية التي يمارسها الاهالي صغاراً وكباراً، حيث تجد الجميع يتقنون فنون وادارة المزروعات حتى مع ادراكهم العميق لمحدودية ما سيحصدون منه خاصة بعد ان شحت الامطار في السنوات الاخيره .تحضر تربية النحل بشكل كبير في هذه العزلة باعتبارها مورداً اقتصادياً هاماً يزيل من على البعض بعضاً من تراكمات الفقر المزعجة ، وهو الى جانب ذلك بات جزءاً من ثقافة هذا المحتمع ، فقد عزز حضوره التواجد اللافت لأشجار السدر وخاصة في التجمع الاسفل من هذه العزلة ، والعسل بمفهومه التقليدي يعد النواة الرئيسية للمائدة الصعفانية حال تواجد ضيف عابر ، حيث يشعر المضيف ساعتها انه قد قدم لضيفه سوار كسرى من جديد وهو شعور لطيف يليق بشهامة وكرم اولئك الافذاذ من ابناء الريف الصعفاني . يأتي الاهتمام بهذا الجانب في ظل الانزلاق الخطير للعملية التعليمية ، حيث لا احدى يعلم الى اين تتجه واي مصيرغامض يكتنفها ، فالتعليم هناك بات شيئاً غريباً حسب تقديري ، وهو ما أثار فيا الدهشة والهلع ، فعندما تهم بزيارة احد المدارس تتفاجأ بمنظرها الخارجي لكن حين تدلف اليها تجد واقعاً مغايراً ، فهلا حدثتكم عن مدرسة ابتدائية عدد المعلمين فيها واحد فقط ، وحيث لم اعد ادري ما سيقدمه هذا المعلم وماهي وظيفته الاساسية اهو معلم ام مدير ام وكيل ام مرب ، وحقيقة الامر فقد ذكرني هذا المشهد بأحد المشاهد الطريفة للنجم الكوميدي عادل امام حيث عرض عليه مدير المدرسة ان يقوم بتدريس تسع مواد في آن واحد فأجاب بعفوية ساخرة “ أأبقى كشكول انا بأء والا ايه “ وعلى اية حال فهناك معاناة حقيقية في هذا الامر جعلت الكثير من ابناء المديرية يهجرون التعليم ويتوجهون نحو زوايا البحث عن مصدر العيش حتى اولئك الذين مازالوا في عمر الزهور . عادات وتقاليد تعتبر العادات والتقاليد الركيزة الاساسية التي من خلالها تبنى ثقافة المجتمعات وخاصة مجتمعاتنا اليمنية التي تعتبر مثل هذه الاشياء بمثابة انجيلم قدس يُحرم تجاوزه ، ولهذه العزلة ثمة طقوس تمارسها اعتماداً على المنهج القبلي الذي يتشرب ادواته جميع افراد المجتمع دون استثناء . ولعمري فقد شدتني تلك التقاليد التي رأيتها تسكن في وجدان ابناء هذه العزله وكأنها الروح التي لا تفارق الجسد الا حين الموت ، ففي هذه العزلة تبدأ مراسيم الزواج حين يوجه العريس دعوة خاصة لأقاربه واصدقائه حيث تلقى عليهم مسئولية ترتيب العرس ، وليس هذا فحسب بل عليهم ان يبادروا الى شراء الكباش وهو واجب محتوم عليهم شاءوا ام ابوا ، يلي ذلك خطوة استقبال الضيوف حيث يتدفق كل ابناء القرية الى بيت العريس والبيوت المجاورة ، تستمر اصداء الضيافة يومين متتاليين ، تتحول خلالها بيت العريس والبيوت المجاورة الى قاعة افراح مشتعلة بالاهازيج والافراح ، وتكون مصحوبة برقصات يتقنها الجميع بما في ذلك الصغار ، وخلال هذه المسرحية العرائيسية يكون والد العروس قد جهز العروسه وارسلها بصحبة عشرين من اهله وجيرانه الى زوجها ، عندها يغادرهم العريس متجهاً نحو عالمه الخاص ، فينصرف الجميع الى شئون حياتهم . اما في الموت فهناك طقوس تعد في نظري نادرة فحين تحدثت الى الاستاذ عبدالله على مهدي بهذا الامر بادرني قائلاً: بأنه اذا كان الميت ينتمي الى اسره تتسم بالغنى وتملك مقومات الحياة الكريمة فإنه يلزم على اهله اقامة الذبائح لمدة ثلاثة ايام يعمد اهالي القرية الى احيائها بالذكر وقراءة القرآن والموالد (جمع مولد)، اما اذا كان الميت من اسرة فقيرة فيكتفي اهالي القرية بإقامة الموالد وتلاوة القرآن ليوم واحد فقط وبدون اي ذبائح . الحمام البركاني لعل من اهم ماتتميز به هذه العزلة عن باقي عزل المديرية هو احتواؤها على حمام طبيعي (بركاني) حيث يسكن عند اقدام جبل الحصن في القاع التهامي تحديداً ، وهو في حقيقته يمثل جوهراً حقيقياً واداة من ادوات تفعيل هذا الجانب المهم من السياحة ، حيث ترى توافداً كبيراً عليه من المناطق المحيطة والمناطق البعيدة بما في ذلك زواره من الاجانب المتوافدين من المملكة العربية السعودية ، وحتى الآن لم يحظ بأي اهتمام من اي نوع سوى اهتمام بسيط اولاه عابر سعودي ارهقه مرض عضال فبهره هذا المثلث البركاني الرائع ولهذا شعر بأنه مدين لهذا المكان في امتصاص مرضه ، فبادر بإحاطته ببناء صغير مزود بغرفة خاصة للنساء تقع بالقرب من العين الحارة . هناك اخفاق واضح سواء من الجهات الرسمية أم المحلية فيما يخص الاهتمام به والمحافظة عليه تمهيداً لتفعيله في خدمة السياحة العلاجية بصورة رسمية بعيداً عن العشوائية التي لاحظناها عند استخدامه . لا انكر انني عشقت المكان حد الادمان رغم انه لايرقى حقيقية إلى مستوى الحاجة التي ينشدها اولئك الذين يطمعون بالشفاء من مياهه الكبريتية الحارة ومع ذلك اعتبر المكان من اكثر الاماكن المشجعة لصياغة وتحقيق هذا النوع من السياحة والمتمثلة بسياحة الاستجمام . رأيت قوافل من الناس رجالاً ونساء جاءوا ينشدون الشفاء بعد ان خذلهم الطب الحديث المليء بالتفاصيل المادية المزعجة ، وهوالامر الذي جعلني شديد الايمان بأهمية السياحة العلاجية كنشاط اقتصادي واعد ان احسنا ادارته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق